للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي أنه هل يجوز أن يفرض اللَّه- تعالى- إلى نبي حكم الأمة أن يقول:

احكم بينهم باجتهادك، وما حكمت به فهو حق، أو أنت لا تحكم إلا بالحق، فيه قولان: أقربهما الجواز، وهو قول موسى بن عمران من الأصوليين، لأنه مضمون له إصابة الحق، وكل مضمون له إصابة ذلك جاز له الحكم، أو يقال:

هذا التفويض لا محذور فيه، وكل ما كان كذلك كان جائزا واللَّه- تعالى- أعلم.

قال القاضي عياض: وأما ما تعلق بعقده صلّى اللَّه عليه وسلّم من ملكوت السموات والأرض، وخلق اللَّه- تعالى- وتعيين أسمائه- تعالى- وآياته الكبرى، وأمور الآخرة، وأشراط الساعة، وأحوال السعداء والأشقياء، وعلم ما كان ويكون، ما لا يعلمه إلا بوحي، فعلى ما تقدم من أنه معصوم فيه لا يأخذه فيما أعلم منه شك ولا ريب، بل هو في غاية اليقين، لكنه لا يشترط له العلم بجميع تفاصيل ذلك، وان كان عنده من علم ذلك ما ليس عند البشر،

لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لا أعلم إلا ما علمني ربي،

ولقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولا خطر على قلب بشر، ولا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين،

وقول موسى للخضر- عليهما السلام: لا هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [ (١) ] ،

وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها، وما لم أعلم،

وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك،

وقد قال اللَّه- تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ (٢) ] ، قال زيد بن أسلم وغيره: حتى ينتهى العلم إلى اللَّه- تعالى، وهذا ما لا خفاء فيه، إذا معلوماته- تعالى- لا يحاط بها، ولا منتهى لها، هذا حكم عقد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوحيد، والشرع، والمعارف، والأمور الدينية.

قال: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس ثم ذكر

قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم:

ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟


[ (١) ] الكهف: ٦٦.
[ (٢) ] يوسف: ٧٦.