للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوهم، والنسيان، أو يدخل عليه غير ذلك على إيهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله، وينسخه ويكشف لبسه، ويحكم آياته.

وقال أبو محمد بن حزم: الأماني الواقعة في النفس لا معنى لها، وقد يكون ذلك الشيء الّذي يلقى الشيطان في أمنية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفا من آدمي عدو له، أو تمنى إسلام مشرك قريب له لم يأذن اللَّه بإسلامه، أو ما أشبه هذا اللَّه ذلك في نفسه المقدسة ويطهرها منه.

قال: وأما الحديث الّذي ذكر فيه وأنهن الغرانيق العلى وكذب مختلف موضوع بلا شك، ولم يصح قط، بطريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، قال القاضي عياض: وقد حكى السمرقندي إنكار قول من قال: سلط الشيطان على ملك سليمان وغلبه عليه، وإن مثل هذا لا يصح، وقال مكي في قصة أيوب- عليه السلام- وقوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [ (١) ] ، لا يجوز لأحد أن يقال: أن الشيطان هو الّذي أمرضه، وألقى الضر في بدنه، ولا يكون ذلك إلا بفعل اللَّه- تعالى، وأمره ليبتليهم، ويثبتهم، وقال مكي:

وقيل: إن الّذي أصابه الشيطان ما وسوس به إلى أهله، فإن قلت: فما معنى قوله تعالى عن يوشع: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ [ (٢) ] ، وقوله عن يوسف:

فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [ (٣) ] ،

وقول نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نام عن الصلاة يوم الوادي: إن هذا واد به شيطان،

وقول موسى- عليه السلام- في وكزته:

هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [ (٤) ] ، فاعلم أن هذا الكلام قد يرد في جميع هذا على مورد مستمر في كلام العرب في وصفهم كل قبيح من شخص، أو فعل بالشيطان، أو فعله، كما قال- تعالى: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (٥) ] .


[ (١) ] ص: ٤١.
[ (٢) ] الكهف: ٦٣، وتمامها: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً.
[ (٣) ] يوسف: ٤٢، وتمامها: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ.
[ (٤) ] القصص: ١٥ وتمامها: إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ.
[ (٥) ] الصافات: ٦٥.