للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند بيعة العقبة، وكل هذا قد كفاه اللَّه أمره، وعصمه ضره، وشره، وقد

قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عيسى- عليه السّلام- كفى من لمسه، فجاء ليطعن بيده في خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب،

وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: حين لد في مرضه وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال إنها من الشيطان، ولم يكن اللَّه ليسلطه على.

فإن قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [ (١) ] الآية، فقد قال بعض المفسرين: إنها راجعة إلى قوله:

وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (٢) ] ، ثم قال: وإما ينزغنك أي يستخفنك غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم، فاستعذ باللَّه فقيل: النزغ هنا الفساد كما قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [ (٣) ] ، وقيل: ينزغنك يغرينك، ويحركنك، والنزغ أدنى الوسوسة، فأمره اللَّه- تعالى- أنه متى تحرك عليه عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به، وخواطر أدنى وساوسه، ما لم يجعل له سبيل اليه أن يستعيذ عنه فيكفى أمره، ويكون سبب تمام عصمته، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه، وقد قيل في هذه الآية غير هذا، وكذلك لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك، ويلبس عليه، لا في أول الرسالة، ولا بعدها، والاعتماد في ذلك دليل المعجزة، بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من اللَّه الملك ورسوله حقيقة، إما بعلم ضروري يخلقه اللَّه له، أو ببرهان يظهره لديه، لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، فإنه قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ (٤) ] . الآية، فاعلم أن للناس في هذه الآية أقاويل منها السهل، والغث، والسمين، والغث، وأولى ما يقال فيها ما عليه الجمهور من المفسرين أن التمني هاهنا التلاوة وإلقاء الشيطان فيها اشتغاله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا للتالي، حتى يدخل عليه


[ (١) ] الأعراف: ٢٠٠، وتمامها إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
[ (٢) ] الأعراف: ١٩٩.
[ (٣) ] يوسف: ١٠٠.
[ (٤) ] الحج: ٥٢، وتمامها: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.