للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة! أفلا أكون عبدا شكورا؟.

وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن صخر، عن أبي قسيط، عن عروة وأخرجاه من وجه آخر عن المغيرة بن شعبة،

وهو من جملة ما يدل على عدم وجوب قيام الليل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم.

وقال ابن عبد البر في كتاب (التمهيد) : وأوجب بعض التابعين قيام الليل فرضا، ولو كان كقدر حلب شاة، وهو عبيدة السلماني، وهو قول شاذ متروك لإجماع العلماء على أن قيام الليل منسوخ عن الناس بقوله- عز وجل-:


[ () ] ذلك، فأفادهم أن هناك طريقا آخر للعبادة، وهو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لم لا يستحق عليه فيها شيئا، فيتعين كثرة الشكر على ذلك.
والشكر: الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سمي شكورا، ومن ثم قال- سبحانه وتعالى-: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وفيه ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه من الاجتهاد في العبادة والخشية من ربه.
قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة اللَّه- تعالى- عليهم، وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق اللَّه أعظم من أن يقوم بها العباد. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم.
وقيل: أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه، ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه، لأنه يجمع بينها بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يداوم على قيام جميع الليل، بل كان يقوم وينام، كما أخبر عن نفسه، وأخبرت عنه عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وأخرجه البخاريّ أيضا في كتاب التفسير، باب (٢) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً حديث رقم (٤٨٣٦) ، (٤٨٣٧) ، وفي كتاب الرقاق، باب (٢٠) الصبر على محارم اللَّه إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ، حديث رقم (٦٤٧١) .
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ووجه مناسبته للترجمة أن الشكر واجب، وترك الواجب حرام، وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر عن فعل الحرام، والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية.