ثم الصبر على ثلاثة أقسام: صبر المعصية فلا يرتكبها، وصبر على الطاعة حتى يؤديها، وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها. والمرء لا بد له من واحدة من هذه الثلاث، فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه، والصبر سبب في حصول كل كمال، وإلى ذلك أشار صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله في الحديث الأول: «إن الصبر خير ما أعطيه العبد» . وقال بعضهم: الصبر تارة يكون للَّه، وتارة يكون باللَّه، فالأول: الصابر لأمر اللَّه طلبا لمرضاته، فيصير على الطاعة، ويصير على المعصية، والثاني: المفوض للَّه بأن يبرأ من الحول والقوة، ويضيف ذلك إلى ربه. وزاد بعضهم: الصبر على اللَّه، وهو الرضا بالمقدور، فالصبر للَّه يتعلق بإلهيته ومحبته، والصبر به يتعلق بمشيئته وإرادته، والثالث: يرجع إلى القسمين الأولين عند التحقيق، فإنه لا يخرج عن الصبر على أحكامه الدينية، وهي أوامره ونواهيه، والصبر على ابتلائه وهو أحكامه الكونية. واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (فتح الباري) . وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب (١٨) إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، حديث رقم (٧٩) ، (٨٠) ، (٨١) . قال القاضي: الشكر معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرا لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد للَّه- تعالى- اعترافه بنعمه، وثناؤه عليه، وتمام مواظبته على طاعته. وأما شكر اللَّه- تعالى- أفعال عباده فمجازاته إياهم عليها، وتضعيف ثوابها، وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي والمثنى سبحانه، والشكور من أسمائه مواظبته- سبحانه وتعالى- بهذا المعنى، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. (شرح النووي) . وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : ٧/ ١٦٧، حديث رقم (٢٤٣٢٣) ، من حديث السيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- (٥) ، (٦) راجع التعليق السابق. وفيه مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان، كما قال- تعالى-: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً قال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما يعبد اللَّه خوفا من الذنوب، وطلبا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج إلى