للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحسنهما، ويكون المراد تحريم التوصل إليهما، ودليل التحريم أن اللَّه- تعالى- أخبر عن حال نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم وردّ قول من قال من الكفار: إنه شاعر، وأن القرآن شعر بقوله- تعالى-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (١) ] .

ولذلك كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقول الشعر، ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاء بيت قديم متمثلا به كسر وزنه، وإنما كان يحرر المعاني فقط، من ذلك أنه انشد بيت طرفة [ (٢) ] :


[ () ] ما مات حتى كتب. قال: والأول أي عدم الكتابة هو المشهور. قال صاحب (الخادم) : يشهد للنقاش ما
رواه البخاريّ في عمرة القضاء أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صالح سهيل بن عمرو، فكتب عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الصحيفة: هذا ما قاضي عليه محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سهيل: اكتب محمد بن عبد اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-:
امحه، فقال عليّ: لا أمحوك أبدا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب فكتب: هذا ما قاضي محمد بن عبد اللَّه،
وفي هذه الكتابة وجوه:
أحدها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب وهو لا يعلم ما يكتب فانتظم مراده.
ثانيها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوحى إليه فكتبه عن علم بالكتابة.
ثالثها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لكثرة كتابة اسمه بين يديه فعلم ذلك، وهذا أضعف الأوجه.
رابعها: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر من كتب ونسب الفعل إليه تجوزا، ولم يبين الشيخ هل المراد بالشعر إنشاده أو روايته أو أعم من ذلك؟ قال في (الخادم) : وجعل الماورديّ والرويانيّ قول الشعر، وتعلمه، وروايته، سواء في التحريم.
[ (١) ] ياسين: ٦٩.
[ (٢) ] هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن عباد بن صعصعة بن قيس بن ثعلبة، ويقال:
إن اسمه عمرو، وأمه وردة، من رهط أبيه، وكان أحدث الشعراء سنا، وأقلهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة، فيقال له: ابن العشرين، وكان حسب من قومه، جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم، ومما سبق إليه قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وقال غيره:
ويأتيك بالأنبياء من لم تبع له ... بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
(الشعر والشعراء) : ١٠٣- ١٠٨ مختصرا.