للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خرّج مسلم [ (١) ] من حديث إسماعيل بن علية، وعبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن عبد، وفي حديث عبد الوارث: الرجل، حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، والناس أجمعين.

وخرّج من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال:

قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين [ (٢) ] .


[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ٢/ ٣٧٤- ٣٧٥، كتاب الإيمان، باب (١٦) وجوب محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من الأهل، والولد، والوالد، والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، حديث رقم (٦٩) .
[ (٢) ] (المرجع السابق) حديث رقم (٧٠) . قال الإمام أبو سليمان الخطابي: لم يرد به حب الطبع، بل أراد به حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع، ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه: لا تصدق في حبي حتى تفنى في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك.
هذا كلام الخطابيّ.
وقال ابن بطال، والقاضي عياض، وغيرهما- رحمة اللَّه عليهم-: المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام، كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع أصناف المحبة في محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال ابن بطال- رحمه اللَّه-: ومعنى الحديث: أن كل من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به صلّى اللَّه عليه وسلّم استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال.
قال القاضي عياض- رحمه اللَّه-: ومن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمنى حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. قال: وإذا تبين ما ذكرناه، تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومنزلته على كل والد، وولد، ومحسن، ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه، فليس بمؤمن، هذا كلام القاضي عياض- رحمه اللَّه- واللَّه تبارك وتعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .