[ (٢) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (١٤) ، وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب. وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما، على وجوهه المختلف حالا ومالا، فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، إما بالمباشرة، وإما بالسبب، علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبديّ، في النعيم السرمديّ، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره. لأن النفع الّذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه. ولا شك أن حظ الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- من هذا المعنى أتم، لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم، واللَّه الموفق. وقال القرطبيّ: كل من آمن بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون. فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحد الأدنى، كمن كان مستغرقا في الشهوات، محجوبا في الغفلات، أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اشتاق إلى رؤيته، بحيث لا يؤثرها على أهله، وولده، وماله، ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما