للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا اللَّه، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه اللَّه، وحتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ولمسلم من حديث النضر بن شميل قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو حديثهم غير أنه قال من رجع يهوديا أو


[ () ] الطاعات، وتحمل المشقات، في رضي اللَّه- عزّ وجل ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد ربه- سبحانه وتعالى- بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قال القاضي- رحمه اللَّه-: هذا الحديث بمعنى الحديث المتقدم، ذاق طعم الإيمان، من رضي باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وذلك أنه لا يصح المحبة للَّه ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم حقيقة، وحب الآدميّ في اللَّه ورسوله، وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه، وهذا الّذي وجد حلاوته.
قال: والحب في اللَّه ثمرات حب اللَّه، قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضى الرب سبحانه، فيحب ما أخب، ويكره ما كره. واختلفت عبارات المتكلمين في هذا الباب بما لا يؤول إلى اختلاف إلا في اللفظ، وبالجملة: أصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحسن الصورة، والصوت، والطعام، ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين، والعلماء، وأهل الفضل مطلقا، وقد يكون لإحسانه إليه، ودفعه المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما جمع من جمال المظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسائه إلى جميع المسلمين، بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم، والإبعاد.
وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصور في حق اللَّه- تعالى-، فإن الخير كله منه- سبحانه وتعالى-.
قال مالك وغيره: المحبة في اللَّه من واجبات الإسلام، هذا كلام القاضي- رحمه اللَّه-. واما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: يعود أو يرجع، فمعناه يصير، وقد جاء العود، والرجوع بمعنى الصيرورة.
(شرح النووي) .