للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (١) ] وهؤلاء أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد قتلوا أحبّاءهم، وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته.

وقال له عبد اللَّه بن أبيّ: لو شئت لأتيتك برأسه يعني أباه، ومنها أن يحب القرآن ويحب تلاوته والعمل به، وتفهمه، ويحب سنته، ويقف عند حدودها، ومن علامة حبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم شفقته على أمته، ونصحه لهم، وسعيه في مصالحهم، ودفع المضار عنهم، كما كان عليه السلام بالمؤمنين رءوفا رحيما.

ومن علامة تمام محبته زهد مدّعيها في الدنيا، وإيثاره الفقر، وإنصافه به.

قال: اختلف الناس في تفسير محبة اللَّه، ومحبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سفيان:

المحبة اتباع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعضهم: محبة الرسول اعتقاد نصرته والذّب عن سنته والانقياد لها، وهيبة مخالفته، وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال بعضهم: المحبة مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب، ويكره ما كره.

وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له، وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها، وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه [بذكره] [ (٢) ] بإدراكه كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة، والأشربة اللذيذة، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله، وقلبه معاني باطنة شريفة كمحبة الصالحين، والعلماء، وأهل المعروف، والمأثور عنهم السير الجميلة، والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء، حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم، والتشيّع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان، وهتك الحرم، واخترام النفوس، أو يكون حبه إياه لموافقة له من جهة إحسانه له، وإنعامه عليه، فقد جبلت النفوس على حب


[ (١) ] المجادلة: ٢٢.
[ (٢) ] من (الأصل) فقط، وليست في (الشفا) .