البصرة وكان يرجو أن يدرك طلحة والزبير فيردهما قبل وصولهما إلى البصرة أو يوقع بهما، فلما سار أستخلف على المدينة تمّام بن العباس، وعلى مكة قثم ابن العباس، وقيل: أمر على المدينة سهل بن حنيف، وسار علي من المدينة في تعبئته التي تعبأها لأهل الشام آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في تسعمائة، وسار حتى انتهى إلى الرَّبَذَة، فلما انتهى إليها أتاه خبر سبقهم، فأقام بها يأتمر ما يفعل،
وأتاه ابنه الحسن في الطريق، فقال له: لقد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك.
فقال له علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية، وما الّذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قتل أن لا تبايع حتى تأتيك وفود العرب وبيعة أهل كلّ مصر فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك، فأبيت عليّ، وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يد غيرك، فعصيتني في ذلك كله.
ولما قدم الرَّبَذَة وسمع بها خبر القوم أرسل منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين اللَّه أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا، فمضيا وبقي عليّ بالربذة، وأرسل إلى المدينة فأتاه ما يريده من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم وقال: إن اللَّه- تبارك وتعالى- أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء اللَّه، الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزع بين هذه الأمة! ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ باللَّه من شر ما هو كائن.
فلما أراد المسير من الرَّبَذَة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال:
أمير المؤمنين، أي شيء تريد وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الّذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبونا إليه؟ قال: ندعهم