لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تقتل عمارا الفئة الباغية،
ولولا ذلك لقتله، وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر، قالت: بخير أو بشر؟ قالوا:
بشر، فما فجأها إلا الهزيمة، فمضى الزبير من وجهه إلى وادي السباع، وإنما فارق المعركة لأنه قاتل تعذيرا لما ذكر له عليّ، وأما طلحة فأتاه سهم غرب فأصابه فشك رجله بصفحة الفرس وهو ينادي: إليّ، إليّ عباد اللَّه! الصبر الصبر! فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل، فأدخل البيوت، فدخل ودمه يسيل وهو يقول: اللَّهمّ خذ لعثمان مني حتى ترضى، فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه: أردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه. فدخل البصرة، فأنزله في دار خربة فمات فيها، وكان الّذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل: غيره. وقالت عائشة: لما انجلت الوقعة وانهزم الناس لكعب بن سور: خلّ عن الجمل وتقدم بالمصحف فادعهم إليه.
وناولته مصحفا، فاستقبل القوم والسبئية أمامهم، فرموه رشقا واحدا فقتلوه، ورموا أم المؤمنين في هودجها، فجعلت تنادي: البقية البقية يا بنيّ! ويعلو صوتها كثرة: اللَّه اللَّه! اذكروا اللَّه والحساب! فيأبون إلا إقداما، فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن
قالت: أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو، وضج الناس بالدعاء. فسمع عليّ فقال: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعوا على قتلة عثمان وأشياعهم، فقال عليّ: اللَّهمّ العن قتلة عثمان! فأرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن أثبتا مكانكما، وحرضت الناس حين رأت القوم يريدونها ولا يكفون، فحملت مضر البصرة حتى قصفت مضر الكوفة حتى زحم عليّ فنخس قفا ابنه محمد، وكانت الراية معه، وقال له: أحمل! فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح، فأخذ عليّ الراية من يده وقال: يا بني بين يدي، وحملت مضر الكوفة، فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبتان على حالهما لا تصنع شيئا، ومع علي قوم من غير مضر، منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه، فقال له رجل: تنح إلى قومك، مالك ولهذا الموقف؟ ألست تعلم أن مضر بحيالك والجمل بين يديك وأن الموت دونه؟ فقال: الموت خير من الحياة، الموت أريد،