تستطع، إنما هو بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإنّي أخاف أن لا يكون صلح، ودع مضر وربيعة فهما أخوان، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا.
ولما خرج طلحة والزبير نزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت اليمن أسفل منهم ولا يشكون في الصلح، وعائشة في الحدان، والناس بالزابوقة على رؤسائهم هؤلاء، وهم ثلاثون ألفا، وردّوا حكيما ومالكا إلى عليّ إننا على ما فارقنا عليه القعقاع، ونزل علي بحيالهم، فنزلت مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن، فكان بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون إلا الصلح، وكان أصحاب علي عشرين ألفا، وخرج علي وطلحة والزبير فتواقفوا فلم يروا أمر أمثل من الصلح ووضع الحرب، فافترقوا على ذلك، وبعث علي من العشي عبد اللَّه بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثا هما محمد بن أبي طلحة إلى عليّ، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، وطلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما بذلك، فباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية التي أشرفوا عليها والصلح، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وقد أشرفوا على الهلكة، وباتوا يتشاورون، فاجتمعوا على إنشاب الحرب، فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم، فخرجوا متسللين وعليهم ظلمة، فقصد مضرهم إلى مضرهم، وربيعتهم إلى ربيعتهم، ويمنهم إلى يمنهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم، وبعث طلحة والزبير إلى الميمنة، وهم ربيعة، أميرا عليها عبد الرحمن بن الحارث، وإلى الميسرة عبد الرحمن ابن عتّاب، وثبتا في القلب وقالا: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء وأنه لن يطاوعنا، فرد أهل البصرة أولئك الكوفيين إلى عسكرهم، وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال: أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل اللَّه أن يصلح بك.
فركبت وألبسوا هودجها الأدراع، فلما برزت من البيوت وهي على الجمل بحيث تسمع الغوغاء وقفت واقتتل الناس وقاتل الزبير فحمل عليه عمار بن ياسر فجعل يحوزه بالرمح والزبير كاف عنه يقول: أتقتلني يا أبا اليقظان؟