محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ قال: واللَّه ما أحب أن يشاك محمد بشوكة وأنا جالس في بيتي، فجعلوا يقولون: ارجع يا خبيب! قال: لا أرجع أبدا! قالوا: أما واللات والعزى، لئن لم تفعل لنقتلنك! فقال: إن قتلي في اللَّه لقليل! فلما أبى عليهم وقد جعلوا وجهه من حيث جاء، قال: أما صرفكم وجهي عن القبلة فإن اللَّه يقول: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (١) ] ، ثم قال:
اللَّهمّ إني لا أرى إلا وجه عدو، اللَّهمّ أنه ليس ها هنا أحد يبلغ رسولك السلام عني، فبلغه أنت عني السلام.
فحدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا مع أصحابه، فأخذته غمية كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي، قال: ثم سمعناه يقول: وعليه السلام ورحمة اللَّه، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام،
قال: ثم دعوا أبناء من أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاما، فأعطوا كل غلام رمحا، ثم قالوا: هذا الّذي قتل آباءكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا، فاضطرب على الخشبة فانقلب، فصار وجهه إلى الكعبة، فقال:
الحمد للَّه الّذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه وللمؤمنين! وكان الذين أجلبوا على قتل خبيب: عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبد اللَّه بن قيس، والأخنس بن شريق، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن الأوقص السلميّ، وكان عقبة بن الحارث بن عامر ممن حضر، وكان يقول: واللَّه ما أنا قتلت خبيبا إن كنت يومئذ لغلاما صغيرا، ولكن رجلا من بني عبد الدار يقال له أبو ميسرة من عوف بن السباق أخذ بيدي فوضعها على الحربة، ثم أمسك بيدي، ثم جعل يطعن بيده حتى قتله، فلما طعنه بالحربة أفلت، فصاحوا: يا أبا سروعة، بئس ما طعنه أبو ميسرة! فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحد اللَّه ويشهد أن محمدا رسول اللَّه.
يقول الأخنس بن شريق: لو ترك ذكر محمد على حال لتركه على هذه الحال، ما رأينا قط والدا يجد بوالده ما يجد أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم.