للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وكان زيد بن الدّثنّة عند آل صفوان بن أمية محبوسا في حديد، وكان يتهجد بالليل ويصوم بالنهار، ولا يأكل شيئا مما أوتي به من الذبائح، فشق ذلك على صفوان، وكانوا قد أحسنوا إساره، فأرسل إليه صفوان: فما الّذي تأكل من الطعام؟ قال: لست آكل مما ذبح لغير اللَّه، ولكني أشرب اللبن، وكان يصوم، فأمر له صفوان بعس من اللبن عند فطره فيشرب منه حتى يكون مثلها من القابلة، فلما خرج به وبخبيب في يوم واحد التقيا، ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فالتزم كل منهما صاحبه، وأوصى كل واحد منهما صاحبه بالصبر على ما أصابه، ثم افترقا، وكان الّذي ولى قتل زيد نسطاس غلام صفوان، خرج به إلى التنعيم فرفعوا له جزعا، فقال: أصلي ركعتين فصلى ركعتين، ثم حملوه على الخشبة، ثم جعلوا يقولون لزيد: أرجع عن دينك المحدث وأتبع ديننا، ونرسلك! قال: لا واللَّه، لا أفارق ديني أبدا! قالوا: أيسرك أن محمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمد أشيك بشوكة وأني في بيتي! قال: يقول أبو سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حبا من أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال حسان بن ثابت، صحيحة سمعتها من يونس بن محمد الظفري:

فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما

شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا قديما يركبان المحارما

أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع اللهازما

وقال حسان بن ثابت، ثبته قديمة:

لو كان في الدار قرم ذو محافظة ... حامي الحقيقة ماض في خاله أنس

إذن حللت خبيبا منزلا فسحا ... ولم يشد عليك الكبل والحرس

ولم تقدك إلى التنعيم زعنفة ... من المعاشر ممن قد نفت عدس

فأصبر خبيب فإن القتل مكرمة ... إلى جنان نعيم ترجع النفس

دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف ... وأنت ضيف لهم في الدار محتبس

وقد ذكر يونس بن بكير بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة هذه القصة وزاد فيها أن قدوم النفر من القادة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بعد أحد وزاد أن خبيبا قال: حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا على صلبه أبياتا: