للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع؟ قال: من هذا؟

فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمّك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال: فأضربه ضربة فأثخنته، ثم وضعت صبيب [ (١) ] السيف ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور،

فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحدثته فقال: ابسط رجلك فبسطت رجلي، فمسحها فكأنما لم اشتكها قط.

وكرره البخاريّ من غير طريق كلها تدور على البراء بن عازب [ (٢) ] .

وقال الواقدي [ (٣) ]- رحمه اللَّه- في (مغازيه) : حدثني أبو أيوب بن النعمان، عن أبيه، عن عطية بن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: خرجنا من


[ (١) ] ضبيب السيف: طرفه.
[ (٢) ] أخرجه البخاريّ في المغازي، باب (١٦) قتل أبي رافع عبد اللَّه بن أبي الحقيق، ويقال سلام ابن أبي الحقيق، كان بخيبر، ويقال في حصن له بأرض الحجاز، وقال الزهريّ: هو بعد كعب بن الأشرف، حديث رقم (٤٠٣٨) .
وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز اغتيال المشرك الّذي بلغته الدعوة وأصرّ، وقتل من أعان على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، أو ماله، أو لسانه، وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم، والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين، والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته، واللَّه- تعالى- أعلم. (فتح الباري) .
[ (٣) ] (مغازي الواقدي) : ١/ ٣٩١- ٣٩٥.