قوله: «خرص التمر» أي مشروعيته، والخرص بفتح المعجمة وحكى كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة، هو حرز ما على النخل من الرطب تمرا. حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره: أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة، بعث السلطان خارصا ينظر فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا، وكذا وكذا تمرا، فيحصيه، وينظر مبلغ العشر فيه، فيثبته عليهم، ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر. وفائدة الخرص: التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها، والبيع من زهورها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن منعهم منها تضيقا لا يخفى. وقال الخطّابيّ: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا، إلا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار وتعقبه الخطّابيّ بأن تحريم الربا والميسر متقدم. والخرص عمل به في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبيّ، قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغرر فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر، وإدراكه بالخرص الّذي هو نوع من المقادير. وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له، سواء أن تثبت بذلك الخصوصية، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه، كتسديد الأنبياء لسقط الأتباع، وتردّ هذه الحجة أيضا بإرسال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الخراص في زمانه، واللَّه- تعالى- أعلم. واعتلّ الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها، فيكون ما يؤخذ عن صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص. قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان.