للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسل هذا الرسول [الّذي كان] معى عن الّذي قال، فإنّي أكرم الملك عن الّذي قال ورد عليه أن أقوله، فقال للرسول: وما قال؟ قال: أيها الملك، أما في بقر السواد [وفارس] ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا! فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، ولكنه قد قال: رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا، فيصير أمره إلى التباب.

وشاع هذا الكلام، فبلغ النعمان، وسكت كسرى على ذلك أشهرا، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن الملك إليك حاجة، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه، ثم لحق بجبلي طيِّئ.

وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيِّئا على أن يدخلوه [بين الجيلين] ويمنعوه، فأبوا ذلك عليه، وقالوا: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى، [ولا طاقة لنا به] فأقبل [يطوف على قبائل العرب] ليس أحد من الناس يقبله، غير أن بني رواحة بن سعد بمن بنى عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك- لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ- فقال لا أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى.

فأقبل حتى نزل بذي قار في بنى شيبان سرا، فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين، لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي يالجدين. وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا مانعه مما يمنع منه نفسه.

وتوجه النعمان إلى كسرى، فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال:

أنج نعيم [إن استطعت النجاء] ، فقال: أنت يا زيد فعلت هذا! أما واللَّه لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك! فقال له زيد: امض نعيم، فقد واللَّه وضعت لك عنده أخية [ (١) ] لا يقطعها المهر الأرن [ (٢) ] . فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث


[ (١) ] الأخية في الأصل: أن يدفن طرفا الحبل في الأرض، وفيها عصية أو حجير، ويظهر منه مثل عروة تشد بها الدابة [كالفخ مثلا] .
[ (٢) ] الأرن: النشيط.