للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو قتادة: فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى البيعة فر الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير، فخرجت أعدو، وأخذت بيد رجل كان يكلمني، فأخرجناه من تحت بطن البعير، فقلت: ويحك! ما أدخلك هاهنا؟ أفرارا مما نزل به روح القدس؟ قال: لا، ولكني رعبت وسمعت الهيعة [ (١) ] . قال الرجل: لا نضحت عنك [ (٢) ] أبدا، وما فيك خير.

فلما مرض الجد بن قيس ونزل به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن، فقيل له في ذلك فقال: واللَّه ما كنت لأصلي عليه وقد سمعته يقول يوم الحديبيّة كذا وكذا، وقال في غزوة تبوك كذا وكذا، واستحييت من قومي يرونني خارجا ولا أشهده. ويقال: خرج أبو قتادة إلى ماله بالواديين فكان فيه حتى دفن، ومات الجد في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (٣) ] .

ومرارة بن [ (٤) ] الربيع وهو الّذي ضرب بيده على عاتق عبد اللَّه بن أبيّ، ثم قال: تمطي، والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد المفرد، فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: ويحك ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ فقال: يا رسول اللَّه إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به، وما قلت شيئا من ذلك [ (٥) ] .

وعبد اللَّه بن عيينة وهو الّذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو اللَّه ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت، فقال عدو اللَّه: يا نبي، اللَّه! واللَّه لا تزال بخير ما أعطاك اللَّه النصر على عدوك، إنما نحن باللَّه وبك فتركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (٦) ] .


[ (١) ] الهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدوّ.
[ (٢) ] نضح عنه: ذبّ ودفع.
[ (٣) ] (مغازي الواقدي) : ٢/ ٥٩٠- ٥٩١.
[ (٤) ] مرارة بن ربيعة. ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري. من بني عمرو بن عوف، شهد بدرا، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك، وتاب اللَّه عليهم، ونزل القرآن في شأنهم (الاستيعاب) :
٣/ ١٣٨٢، ترجمة رقم (٢٣٦١) ، (الإصابة) : ٦/ ٦٥، ترجمة رقم (٧٨٧٠) ،
[ (٥) ] (دلائل البيهقي) : ٥/ ٢٥٩.
[ (٦) ] (المرجع السابق) : ٥/ ٢٥٨.