للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وإذا كان مثل هذا بين الناس مستعملا في آدابهم وحسن معاشرتهم وخطابهم ومطالبهم، فاستعماله في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوجب، والتزامه آكد، فجودة العبارة تفج الشيء أو تحسنه، وتحريرها وتهذيبها يعظم الأمر أو يهونه، ولهذا

قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من البيان لسحرا.

فأما ما أورده على جهة النفي عنه والتنزيه فلا حرج في تسريح العبارة وتصريحها فيه، كقوله: لا يجوز عليه الكذب جملة ولا إتيان الكبائر بوجه، ولا الجور في الحكم على حال ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره، وتعظيمه، وتعزيزه عند ذكره مجردا، فكيف عند ذكر مثل هذا؟

قال في حكم سابّه، وشانئه، ومنتقصه ومؤذيه: وعقوبته أن مشهور مذهب مالك وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء قبله حدا لا كفرا إن أظهر التوبة منه ولهذا لا يقبل عندهم توبته، لا تنفعه استقالته ولا فيأته فيه، وحكمه حكم الزنديق، ومسّر الكفر، وسواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه، والشهادة على قوله، أو جاء تائبا من قبل نفسه، لأنه حد واجب لا تسقطه التوبة.

قال أبو الحسن القابسي: إذا أقر بالسب وتاب منه وأظهر التوبة قتل بالسب لأنه هو حده.

قال القاضي عياض: وهذا قول أصبغ، ومسألة سابّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوى، لا يتصور فيها الخلاف على الأصل لأنه حق متعلق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الآدميين، والزنديق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك والليث وإسحاق وأحمد لا تقبل توبته، وعند الشافعيّ تقبل، واختلف فيه عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وحكى ابن المنذر عن علي بن أبى طالب يستتاب، وقال محمد بن سحنون: ولم يزل القتل عن المسلم بالتوبة من سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه لم ينتقل من دين إلى غيره، وإنما فعل شيئا حده عندنا القتل لا عفو فيه لأحد كالزنديق، لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر.

وقال القاضي أبو محمد بن نصر محتجا لسقوط اعتبار توبته: والفرق بينه وبين من سبّ اللَّه تعالى على مشهور القول باستتابته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشر،