للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبشر جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه اللَّه تعالى بنبوته، والبارئ تعالى منزه عن جميع المعايب قطعا، وليس من جنس تلحق المعرة بجنسه، وليس سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالارتداد المقبول فيه التوبة، لأن الارتداد معنى ينفرد به المرتد لا حق فيه لغيره من الآدميين، فقبلت توبته ومن سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلق فيه حق لآدميّ فكان كالمرتد ويقتل حين ارتداده، أو يقذف، فإن توبته لا تسقط عنه حدّ القتل والقذف.

وأيضا فإن توبة المرتد إذا قبلت لا تسقط ذنوبه من زنا وسرقة وغيرها ولم يقتل سابّ النبي لكفره لكن لمن يرجع إلى تعظيم حرمته، وزوال المعرّة به، وذلك لا تسقطه التوبة.

قال القاضي عياض: يريد- واللَّه أعلم- أن سبّه لم يكن بكلمة تقتضي الكفر، ولكن بمعنى الإزراء أو الاستخفاف أو لأن بتوبته وإظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا، واللَّه تعالى أعلم بسريرته، وبقي حكم السب عليه.

وقال أبو عمران القابسيّ: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتد عن الإسلام قتل، ولم يستتب، لأن السبّ من حقوق الآدميين التي لا تسقط عن المرتد.

قال القاضي عياض: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا وهو يحتاج إلى تفصيل، وأما على رواية الوليد بن مسلم، عن مالك ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه، وقال به من أهل العلم، فقد حرروا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل به، وإن أبى قتل، فحكم بحكم المرتد مطلقا في هذا الوجه الأول أشهر وأظهر لما قدمناه.

ونحن نبسط الكلام فيه فنقول: من لم يره ردة فهو يوجب القتل وفيه حدا، وإنما نقول ذلك مع فصلين، إما مع إنكاره ما شهد عليه به، أو إظهاره الإقلاع والتوبة عنه، فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحقيره ما عظم اللَّه تعالى من حقه، وأجرينا حكمه في ميراثه وغير ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه، وأنكر أو تاب.

فإن قيل: فكيف تثبتون عليه الكفر ويشهد عليه بكلمة الكفر ولا تحكمون