للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من اللَّه ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك عن الصوم وأثنى اللَّه عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، وقد روينا في قصة أيوب لما طال بلاؤه ورفضه القريب والبعيد، غير رجلين من إخوانه، فقال أحدهما لصاحبه: لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فبلغ ذلك أيوب- يعني فجزع من قوله- ودعا ربه فكشف ما به» . وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد اللَّه بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه «فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال: بعزتك لا أرفع رأسي حتى كشف عنه» . فكأنما رد البخاري أن الّذي يجوز من شكوى المريض ما كان على الطريق من اللَّه، أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر، واللَّه أعلم. قال القرطبي:
اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كان من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، واللَّه أعلم. وروى أحمد في «الزهد» عن طاوس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو طالب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهى مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك. ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى أهـ. ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرته تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخيط للقضاء وتورث شماتة الأعداء. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا. قوله: «حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا» هو النيسابورىّ الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام، وأكثر عنه مسلم، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث، ولكن أخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال.
قوله: «وا رأساه» هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع، وعند أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن عائشة «رجع رسول اللَّه (ص) من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه» .
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع صرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
«ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» وقولها «وا ثكلياه» بضم المثلثة.