وعلى تقدير ثبوته، فليتأمل قوله «فقد جفاني» فإنه ظاهر في حرمة ترك الزيارة لأن الجفاء أذى، والأذى حرام بالإجماع فتجب الزيارة إذ إزالة الجفاء واجبة، [وهي بالزيارة، فالزيارة واجبة] حينئذ [وبالجملة] فمن تمكن من زيارته ولم يزره فقد جفاه، وليس من حقه علينا ذلك. وعن حاطب أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين. رواه البيهقي عن رجل من آل حاطب لم يسمه عن حاطب. وعن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: من زار قبري. أو قال: من زارني كنت له شفيعا وشهيدا، رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عمر لم يسمه عن عمر. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة. رواه البيهقي أيضا. قال العلامة زين الدين بن الحسين المراغي: وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته صلى اللَّه عليه وسلم قربة، للأحاديث الواردة ذلك ولقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ الآية لأن تعظميه صلى اللَّه عليه وسلم لا ينقطع بموته، ولا يقال إن استغفار الرسول لهم إنما هو في حال حياته وليست الزيارة كذلك، لما أجاب به بعض أئمة المحققين: أن الآية دلت على تعليق وجدان اللَّه توابا رحيما بثلاثة أمور: المجيء، واستغفارهم، واستغفار الرسول لهم، وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين [والمؤمنات] لأنه صلى اللَّه عليه وسلم قد استغفر للجميع، قال اللَّه تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة اللَّه ورحمته. وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، كما حكاه النووي، وأوجبها الظاهرية، فزيارته صلى اللَّه عليه وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص لما سبق، ولأن زيارة القبور تعظيم، وتعظيمه صلى اللَّه عليه وسلم واجب. ولهذا قال بعض العلماء: لا فرق في زيارته صلى اللَّه عليه وسلم بين الرجال والنساء، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال، وفي النساء خلاف، والأشهر في مذهب الشافعيّ الكراهة. قال ابن حبيب من المالكية: ولا تدع زيارة قبره صلى اللَّه عليه وسلم والصلاة في مسجده، فإن فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه.