وقد صح أن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم. فالسفر إليه قربة لعموم الأدلة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه، كما جزم به ابن كج من أصحابنا، وعبارته: إذا نذر زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزمه الوفاء، وجها واحدا، انتهى: ولو نذر إتيان المسجد الأقصى للصلاة لزمه ذلك على الأصح عندنا، وبه قال المالكية والحنابلة، لكنه يخرج عنه بالصلاة في المسجد الحرام. وصحح النووي أيضا أنه يخرج عنه بالصلاة في مسجد المدينة. قال: ونص عليه الشافعيّ. وبه قال الحنفية والحنابلة. وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب، يتضمن منع شد الرحال للزيارة النبويّة المحمدية، وأنه ليس من القرب، بل بضد ذلك. ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في «شفاء السقام» فشفى صدور المؤمنين. وحكي الشيخ ولي الدين العراقي، أن والده كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الدمشقيّ في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام، فلما دنا من البلد قال: نويت الصلاة في مسجد الخليل، ليحترز عن شد الرحال لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام. ثم قلت: أما أنت فقد خالفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، لأنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأنه قال: «زوروا القبور» أفقال: إلا قبور الأنبياء؟! قال: فبهت. وينبغي لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به، فليردد الصلاة والتسليم، وليسأل اللَّه أن ينفعه بزيارته ويسعده بها في الدارين. وليغتسل ويلبس النظيف من ثيابه، وليترجل ماشيا باكيا. ولما رأى وفد عبد القيس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ألقوا أنفسهم عن رواحلهم ولم ينيخوها وسارعوا إليه، فلم ينكر ذلك عليهم صلوات اللَّه وسلامه عليه. وروينا مما ذكره القاضي عياض في (الشفاء) أن أبا الفضل الجوهري لما ورد إلى المدينة زائرا، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا: