ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نسلم به ركبا وأنبئت بأن العلامة أبا عبد اللَّه بن رشيد قال: لما قدمنا المدينة سنة أربع وثمانين وستمائة، كان معي رفيقي الوزير أبو عبد اللَّه بن أبي القاسم بن الحكيم، وكان أرمد، فلما دخلنا ذا الحليفة أو نحوها نزلنا عن الأكوار، وقوي الشوق لقرب المزار، فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا لتلك لآثار، وإعظاما لمن حل تلك الديار، فأحس بالشفاء. الأكوار: جمع كور: هو الرحل للإبل، بمنزله السرج للفرس. ولما كنت سائرا لقصد الزيارة في ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين وثمانمائة، ولاح لما عند الصباح جبل مفرح الأرواح المبشر بقرب المزار من أشرف الديار، تسابق الزوار إليه، وتعالوا بالصعود عليه استعجالا لمشاهدة تلك الآثار واقتباسا لمشاهدة تلك الأنوار فبرقت لوامع الأنوار النبويّة، وهبت عرف نسمات المعارف المحمدية، فطبنا وغبنا إذ شهدنا أعلام ديار أشرف البرية. ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبدت لناظرنا بوارق أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، فأنشدت متمثلا: أتيتك زائرا وودت أني ... جعلت سواد عيني أمتطيه وما لي لا أسير علي المآقي ... إلى قبر رسول اللَّه فيه ويستحب صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الزيارة، وهذا إذا لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف صلى اللَّه عليه وسلم. فإن كان استحب الزيارة قبل التحية. قال في «تحقيق النصرة» وهو استدراك حسن. قاله بعض شيوخنا. وفي منسك ابن فرحون: فإن قلت: المسجد إنما تشرف بإضافته إليه صلى اللَّه عليه وسلم فينبغي البداءة بالوقوف عنده صلى اللَّه عليه وسلم. قلت: قال ابن حبيب في أول كتاب الصلاة: حدثني مطرف عن مالك عن يحيي بن سعيد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قدمت من سفر، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسلم عليه وهو بفناء المسجد، فقال: أدخلت المسجد فصليت فيه؟ قلت: لا، قال: فاذهب فادخل المسجد وصل فيه، ثم ائت فسلم علي. قال: ورخص بعضهم في تقديم الزيارة على الصلاة. قال ابن الحاج: وكل ذلك واسع ولعل هذا الحديث لم يبلغهم، واللَّه أعلم. انتهى. (المواهب اللدنية) مختصرا. وينبغي للزائر أن يستحضر الخشوع ما أمكنه، وليكن مقتصدا في سلامه بين الجهر والإسرار. وفي