للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: عظم خلقه حيث صغرت الأكوان في عينه بعد مشاهدة مكونها سبحانه، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها حيث سئلت عن خلقه:

القرآن، يغضب لغضبه، ويرضي لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات اللَّه.

وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، فيكون غضبه لربه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه، [وقد] [ (١) ] عرض عليه أن ينتصر بالمشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبي [ (٢) ] وقال: إنا لا نستعين بمشرك.

وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم، ما سئل شيئا فقال لا، ولا يبيت في بيته درهم ولا دينار، فإن فضل ولم يجد من يأخذه وفجئه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، ولا يأخذ مما آتاه اللَّه إلا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام.

ولم يشغله اللَّه تعالى من المال بما يقضي محبة في فضوله ولا أحوجه إلى أحد، بل أقامه على حد الغنى [ (٣) ] بالقوت، ووفقه لتنفيذ الفضل فيما يقرب من ربه تعالى.

وكان أحلم الناس، وأشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان خافض الطرف. نظره الملاحظة، لا يثبت بصره في وجه أحد تواضعا، يجيب من دعاه من غني أو فقير، وحر أو عبد، وكان أرحم الناس، يصغي الإناء للهرّة، وما يرفعه حتى تروى رحمة لها.

وكان أعفّ الناس، لم تمس يده يد امرأة إلا بملك رقّها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أعدل الناس، وجد أصحابه قتيلا من خيارهم وفضلائهم، فلم يحف [ (٤) ] لهم من أجله على أعدائه من اليهود، وقد وجد مقتولا بينهم! بل وداه [ (٥) ] مائة ناقة من صدقات المسلمين وإن بأصحابه حاجة إلى بعير


[ (١) ] زيادة للسياق.
[ (٢) ] في (خ) «فأيا» .
[ (٣) ] في (خ) «الغنا» .
[ (٤) ] من الحيف وهو الميل من العدل.
[ (٥) ] وداه: دفع ديته.