للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحد يتقوون به، ووودي بني خزيمة وهم غير موثوق بإيمانهم، إذ وجب بأمر اللَّه ذلك.

وكان أكثر الناس إكراما لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع لهم إذا ضاق بهم المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، وكان له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، وكان يتحمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده [ (١) ] ، ومن غاب تفقده وسأل عنه، ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء له، ومن تخوّف أن يكون وجد في نفسه شيئا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله.

ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل [ (٢) ] معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي في الحق عنده سواء،

ولا يدع أحدا يمشي خلفه، ويقول:

خلّوا ظهري للملائكة،

ولا يدع أحدا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإن أبي قال: تقدمني إلى المكان الفلاني.

ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء لا يرتفع عنهم [في شيء] [ (٣) ] من مأكل ولا ملبس، قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: خدمته نحوا من عشرين سنة، فو اللَّه ما صحبته في حضر ولا سفر إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له. وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا قال لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا [ (٤) ] ؟!!

وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللَّه، عليّ ذبحها وقال آخر عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:

وعليّ جمع الحطب! فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، فإن اللَّه يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه وقام فجمع الحطب.


[ (١) ] في (خ) «عاداه» .
[ (٢) ] في (خ) «ويقبل» .
[ (٣) ] ما بين القوسين مطموس في (خ) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (٤) ] في (خ) «ولا يحدق شيئا إلى الشيء» وما أثبتناه أولى للسياق والمعنى.