للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرّجه مسلم من حديث أبي صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:

أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (١) ] .

ولهما من حديث أبي عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (٢) ] .

وللبخاريّ من حديث مسعر [ (٣) ] عن زياد قال: سمعت المغيرة يقول: إن كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليقوم أو يصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (٤) ] .


[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ج ١٧ ص ١٦٨ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم (٨١- ٢٨٢٠) .
والتفطر: التشقق، قالوا: ومنه فطر الصائم، وأفطره لأنه خرق صومه وشقه، قال القاضي:
الشكر، معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرا، لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد للَّه تعالى اعترافه بنعمه وثناؤه عليه، وتمام مواظبته على طاعته، وأما شكر اللَّه تعالى أفعال عباده، فمجازاته إياهم عليها، وتضعيف ثوابها، وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي والمثنى سبحانه، والشكور: من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى، واللَّه أعلم. (المرجع السابق) :
ص ١٦٨- ١٦٩.
[ (٢) ] (مسلم بشرح النووي) ج ١٧ ص ١٦٨ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم (٧٩- ٢٨١٩) .
[ (٣) ] في (خ) : «مسعود» وما أثبتناه من (البخاري) .
[ (٤) ] (فتح الباري) : ج ٣ ص ١٨ حديث رقم (١١٣٠) . قال الحافظ ابن حجر: الفاء في قوله: «أفلا أكون» للسببية، وهي عن محذوف تقديره: أأترك تهجدي فلا أكون عبدا شكورا، والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا فكيف أتركه؟
قال ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة، وإن أضرّ ذلك ببدنه، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لم يعلم بذلك، فضلا عمن لم يأمن أنه استحق النار.
ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال، لأن حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضرّ ذلك ببدنه، بل صح
أنه قال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ، كما أخرجه النسائي من حديث أنس،
فأما غيره صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم «خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل حتى تملوا» .