وقوله: «فليس مني» إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى «فليس مني» أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحيّة عمله، فمعنى «فليس مني» ليس على ملتي، لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه. وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا. وفيه تقديم الحمد والثناء على اللَّه عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب. وقال الطبري: فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة من الملابس وآثر غليظ الثياب وخشن الأكل. قال عياض: هذا مما اختلف فيه السلف، فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري، ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا، قال: والحق أن هذه الآية في الكفار، وقد أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأمرين، كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط. (فتح الباري) : ٩/ ١٢٩- ١٣٢. وقد أخرج الإمام أحمد في (المسند) : ٤/ ٢٥، ٢٦، ٤١٤، حديث رقم (١٥٨٨٠) «من صام الدهر ضيقت عليه جهنم» ، لأنه رغب رخصة اللَّه تعالى ويسره، والراغب عن الرخصة كالراغب عن العزم، وكلاهما مستحق للعقوبة. (تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة) ص ١٣٥ وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صائم الدهر: «ولا صام ولا أفطر» . أخرجه مسلم في كتاب الصيام (١٣) ، (١٤) ، وأبو داود في كتاب الصوم (١٤) ، (٥٣) ، والنسائي: (٢٢) كتاب الصوم. قال يحى: وهو حديث حسن.