[ (٢) ] هذا الحديث يتعارض مع ما أخرجه (البخاري) في النكاح باب (١) حديث رقم (٥٠٦٣) ، و (مسلم) في النكاح باب (١) حديث رقم (١٤٠١) ، و (النسائي) في النكاح باب (٥) ، و (أبو داود) في النكاح باب (٣) ، و (أحمد) ٣/ ٢٤١، حديث رقم (١٣١٢٢) ، كلهم عن أنس: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألون عن عبادة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ وقد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما فأنا أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» واللفظ للبخاريّ. وفي رواية ثابت عند (مسلم) «أن نفرا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، ولا منافاة بينهما، فالرهط من ثلاثة إلى عشرة، والنفر من ثلاثة إلى تسعة، كل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه. ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عن عبد الرزاق، أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون. وعند ابن مردويه من من طريق الحسن العدني: «كان عليّ في أناس ممن أرادوا أن يحرموا الشهوات، فنزلت الآية في المائدة» . ووقع في (أسباب النزول للواحدي) بغير إسناد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «ذكّر الناس وخوّفهم، فاجتمع عشرة من الصحابة وهم: أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذرّ وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن- في بيت عثمان بن مظعون، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم، ولا يقربوا النساء ويحبوا مذاكيرهم» فإن كان هذا محفوظا، احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال، فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة، ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبة، ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة، ما روى مسلم من طريق سعيد بن هشام أنه «قدم المدينة، فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل اللَّه، ويجاهد الروم حتى الموت، فلقي ناسا بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهاهم، فلما حدثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها» يعني بسبب ذلك، لكن في عدّ عبد اللَّه بن عمرو معهم نظر، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد اللَّه فيما أحسب. قوله: «إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له» فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم، من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى اللَّه وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد، فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه، وقد أرشد إلى ذلك قوله في الحديث الآخر «المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . قوله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره. والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريقة الرهبانية، فإنّهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم اللَّه تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحنيفية السمحة، فيفطر ليقوى على الصوم، وينام ليقوى على القيام، ويتزوج لكسر