للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] رفعتك وعلوّ مرتبتك أن تلحق بمن يقول إنه دونك من حيوان أو نبات أو جماد، فإن كل شيء مفطور على العلم باللَّه، إلا أن مجموع الإنس والجانّ فإنه من حيث تفصيله منطو على العلم باللَّه كسائر ما سواهما من المخلوقات، من ملك، وحيوان، ونبات، وجماد، فما من شيء فيه شعر، وجلد، ولحم، وعصب، ودم، وروح، ونفس، وظفر، وناب، إلا هو عالم باللَّه، حتى ينظر ويفكّر، ويرجع إلى نفسه، فيعلم أن له صانعا صنعه، وخالقا خلقه، فلو أسمعه اللَّه نطق جلده، أو يده، أو لسانه، أو عينه، لسمعه ناطقا بمعرفته بربه، مسبّحا لجلاله، مقدّسا لجماله يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ [النور: ٢٤] ، الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس: ٦٥] ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت: ٢١] . فالإنسان من حيث تفصيله عالم باللَّه، ومن حيث جملته جاهل باللَّه حتى يعلم، أي يعلم بما في تفصيله، فهو العالم الجاهل، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] .
قال أبو القاسم الأصفهانيّ: الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمّن السّرعة قيل: أمر وحيّ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو التعريض فالرمز: الصوت الخفيّ، أو الإشارة بالشّفة، والتعريض:
خلاف التصريح، وهو تورية في القول، ولحن الكلام- وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حمل على كل ذلك قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: ١١] ، فقد قيل: رمز، وقيل: أشار، وقيل كتب، وحمل على هذه الوجوه أيضا قوله تعالى: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: ١١٢] ، وقوله: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [الأنعام: ١٢١] ، فلذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ [الناس: ٤]
وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن للشيطان لمّة» .
ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسب ما دلّ عليه قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: ٥١] ، وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته، ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صورة معيّنة، وإما بسماع كلام من غير معاينة، كسماع موسى عليه السلام كلام اللَّه تعالى.
وإما بإلقاء في الرّوع [القلب أو النفس] ، كما
ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي» [رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة] ،
وإما بإلهام نحو قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص: ٧] ، وإما بتسخير نحو قوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: ٦٨] وإما بمنام كما
قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» [الحديث أخرجه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، عن ابن عباس، وأول الحديث:
«أيها الناس، لم يبق من مبشرات النبوة ... ] .
فالإلهام، والتسخير، والمنام، دلّ عليه قوله تعالى: إِلَّا وَحْياً [الشورى: ٥١] ، وسماع الكلام من غير معاينة، دلّ عليه قوله تعالى: مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: ٥١] ، وسماع الكلام من غير معاينة، دلّ عليه قوله تعالى: مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى: ٥١] ، وتبليغ جبريل عليه السلام في صورة معيّنة، دل عليه قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: ٥١] .