للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ (١) ] ، وفيه: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [ (٢) ] أي إليها، فمعنى هذا:

أمرها، ووحي في هذا المعنى وأوحى إليه ووحي إليه: أومأ. وفي التنزيل:

فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ (٣) ] .

وقال الحافظ أبو نعيم [ (٤) ] : ومعنى الوحي مأخوذ من الوحا، وهو العجلة، فلما


[ () ] وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: ٩٣] ، فذلك ذم لمن يدعي شيئا من أنواع ما ذكرنا من الوحي، أي نوع ادّعاه من غير أن يكون حصل له.
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ [الأنبياء: ٢٥] ، فهذا الوحي هو عامّ في جميع أنواعه، وذلك أن معرفة وحدانية اللَّه تعالى، ومعرفة وجوب عبادته، ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل، بل ذلك يعرف بالعقل ولإلهام، كما يعرف بالسمع، فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية اللَّه تعالى ووجوب عبادته.
وقوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي [المائدة ١١١] ، فذلك وحي بسواطة عيسى عليه السلام.
وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ [الأنبياء: ٧٣] فذلك وحي إلى الأمم بواسطة الأنبياء عليهم السلام.
ومن الوحي المختص بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قوله تعالى: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام: ١٠٦] ، وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ [يونس: ٨٧] ، فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، وهارون بواسطة موسى عليهما السلام.
وقوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ [الأنفال: ١٢] ، فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قبل.
وقوله تعالى: وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت: ١٢] ، فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط، فالموحي إليه محذوف ذكره، كأنه قال: أوحى إلى الملائكة، لأن أهل السماء هم الملائكة، ويكون كقوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ [الأنفال: ١٢] ، وإن كان الموحي إليه هي السماوات، فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حيّ، ونطق عند من يجعله حيا.
وقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة: ٥] ، قريب من الأول.
وقوله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: ١١٤] ، فحث على التثبت في السّماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقّنه. (بصائر ذوي التمييز) :
٥/ ١٧٧- ١٨٢.
[ (١) ] النحل: ٦٨.
[ (٢) ] الزلزلة: ٥.
[ (٣) ] مريم: ١١.
[ (٤) ] هو أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني، نسبة إلى أصبهان، وهي بلدة في وسط إيران.
وينقل ابن خلكان في (وفيات الأعيان) عن أبي نعيم نفسه أنه قد ذكر أن جده «مهران» قد أسلم، وكأنه يشير بذلك إلى أنه أول من أسلم من أجداده، وقد كان «مهران» هذا مولى لعبد اللَّه بن جعفر، هذا.