للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] ويذكر حمزة بن العباس العلويّ أنّ أصحاب الحديث قد قالوا: بقي أبو نعيم فترة طويلة من الزمن وهو لا نظير له أبدا، فقال: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي الحافظ أبو نعيم أربع عشر سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه، ولا أحفظ منه.
وهكذا نجد أن المحدثين جميعا قد اتفقوا على أن أبا نعيم كان محدث عصره، وأنه لم يكن له نظير في كثرة ما يحفظ، ولا في علو الإسناد، والإسناد العالي: هو الّذي قلّ عدد رجاله مع سلامتهم من الضعيف، وهو على خمسة أقسام: [١] قربه من الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، [٢] قربه من إمام من أئمة الحديث، [٣] العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين، أو أحدهما، أو غيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة، [٤] العلو المستفاد من تقدم وفاة الراويّ، [٥] العلو المستفاد من تقدم السماع.
وحيازة محدث الأسانيد العالية، ميزة ترجحه على غيره من المحدثين، فالمحدثون يتحرون الأسانيد العالية، ويرحلون في طلبها، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنه: «طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف» ، وذلك لأن العلوّ يبعد الإسناد عن الخلل، لأن كل رجل من رجال السند يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا أو عمدا، ففي قلتهم قلتهم قلة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل، ولهذا رجح الحافظ أبو نعيم على غيره من محدثي عصره، فهو يحدث بأسانيد عالية لم تجتمع لأحد غيره من محدثي عصره.
وقد أخذ أبو نعيم العلم من مسند أصبهان المعمّر أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد العسّال، وأحمد بن محمد القصّار، وأبي بحر بن كوثر، وأبي القاسم الطبراني، وإبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي العزائم الكوفي، وغيرهم كثير فأكثر وأجاد. قال الحافظ الذّهبي: «وتهيّأ له من لقيا الكبار ما لم يقع لحافظ» .
وقد أخذ العلم من أبي نعيم خلق كثير، منهم: الخطيب البغدادي، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر محمد ابن إبراهيم العطار، وغيرهم كثير، حتى قال علي بن المفضل الحافظ: قد جمع شيخنا السلفي أخبار أبي نعيم، فسمي نحوا من ثمانين نفسا حدثوا عنه.
ومما أخذه العلماء على أبي نعيم، أنه كان يخلط المسموع له بالمجاز، ولا يوضح أحدهما من الآخر، وأجاب الحافظ الذهبي عن هذه الدعوى وقال: ربما فعله نادرا. ومن هذه المآخذ: روايته الأحاديث الموضوعة دون التنبيه إليها في كثير من الأحيان، حتى قال في ميزان الاعتدال: هو عندي مقبول، لا أعلم له ذنبا أكبر من روايته الموضوعات ساكتا عنها، وهذه كبيرة من أبي نعيم لأن من كان مثله لا ينبغي له أن يروي شيئا من هذه الموضوعات دون التنبيه عليها، ولكن ذلك لا يقدح في عدالته وإمامته، ولعل أبا نعيم كان يكتفي بذكر السند عن التنبيه عليها.
وقد أحسن أبو نعيم التصنيف، ولهذا فقد عدّه ابن الصلاح أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوريّ، المتوفى سنة [٦٤٣ هـ] في مقدمته واحدا من سبعة من الذين أحسنوا التأليف، وعظمت الاستفادة من مصنفاتهم، فقال: «سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في عصرنا، منهم أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني الحافظ» .
ومن أشهر مؤلفات أبي نعيم: [١] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، وقد طبع كتاب الحلية في عشر مجلدات، وقد حاز إعجاب العلماء في حسن تصنيفه، وغزارة مادته، فقال عنه ابن خلكان: «كتاب الحلية من أحسن الكتب» ، وقال عنه ابن كثير: «من كتب أبي نعيم الحلية، دلّ على رواية أبي نعيم،