فالأول كما في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها، إشارة إلى قول القائل: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [الآية ١٠٠/ المؤمنون] ، أي انته عن هذه المقالة، فلا سبيل إلى الرجوع. والثاني: نحو كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [الآية ٦/ العلق] ، أي حقا، لم يتقدم على ذلك ما يزجر عنه، كذا قال قوم، وقد اعترض على ذلك بأن حقا تفتح «أنّ» بعدها، وكذلك أما تأتي بمعناها، فكذا ينبغي في «كلا» ، والأولى أن تفسّر «كلا» في الآية بمعنى ألا التي يستفتح بها الكلام، وتلك تكسر ما بعدها «إنّ» ، نحو: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، [الآية ٦٣/ يونس] ، والثالث: قبل القسم، نحو كَلَّا وَالْقَمَرِ [الآية ٣٢/ المدثر] ، معناه إي والقمر، كذا قال النضر بن شميل، وتبعه جماعة منهم ابن مالك، ولها معنى رابع، تكون بمعنى ألا. (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب) : ١٥. وقال العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي: وهي «أي كلا» عند سيبويه والخليل والمبرّد والزّجّاج وأكثر نحاة البصرة، حرف معناه الرّدع والزجر، لا معنى له سواه، حتى إنهم يجيزون الوقف عليها أبدا والابتداء بما بعدها، حتى قال بعضهم: إذا سمعت «كلا» في سورة، فاحكم بأنها مكية، لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتوّ كان بها. وفيه نظر، لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتوّ بها لا عن غلبته. ثم إنه لا يظهر معنى الزجر في «كلا» المسبوقة بنحو فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الآية ٨/ الانفطار] ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الآية ٦/ المطففين] ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [الآية ٣٠/ القيامة] . وقول من قال: فيه ردع عن ترك الإيمان بالتصوير، في أيّ صورة شاء اللَّه، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، فيه تعسّف ظاهر. ثم إن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق، ثم نزل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى [الآية ٦/ العلق] ، فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا، كلها في النصف الأخير. ورأى الكسائي وجماعة أن معنى الردع ليس مستمرا فيها، فزادوا معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها، ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال: فقيل: بمعنى حقا، وقيل بمعنى ألا الاستفتاحية، وقيل: حرف جواب بمنزلة إي ونعم، وحملوا عليه: كَلَّا