قوله: «يا ليتني فيها جذع» ، كذا في رواية الأصيلي، وعند الباقين: «يا ليتني فيها جذعا» ، بالنصب على أنه خبر كان المقدرة. قاله الخطابي، وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ [الآية ١٧١/ النساء] ، وقال ابن بري: التقدير يا ليتني جعلت فيها جذعا، وقيل: النصب على الحال إذا جعلت «فيها» خبر ليت، والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار، قاله السهيليّ. وضمير «فيها» يعود على أيام الدعوة، والجذع- بفتح الجيم، والذال المعجمة- هو الصغير من البهائم، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا، ليكون أمكن لنصره، وبهذا يتبين سرّ وصفه بكونه كان كبيرا أعمى. قوله: «إذ يخرجك» ، قال ابن مالك: فيه استعمال «إذ» في المستقبل كإذا، وهو صحيح وغفل عنه كثير من النحاة، وهو كقوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الآية ٣٩/ مريم] ، هكذا رواه ابن مالك، وأقره عليه غير واحد، وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده، وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا: استعمل الصيغة الدالة على المضيّ لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في (التعبير) : «حين يخرجك قومك» . وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير، لأن ورقة تمنى أن يعود شابا، وهو مستحيل عادة، ويظهر لي- والكلام للحافظ ابن حجر- أن التمني ليس مقصودا على بابه، بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبر به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به. قوله: «أو مخرجيّ هم» ؟ - بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها-، فهم: مبتدأ مؤخر، ومخرجيّ: خبر مقدم، قاله ابن مالك، واستبعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يخرجوه، لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج، لما اشتمل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها. قوله: «إلا عودي» ، وفي رواية يونس في (التفسير) : «إلا أوذي» ، فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم، ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك، وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم، فتنشأ العداوة من ثمّ، وفيه دليل أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام. قوله: «إن يدركني قومك» ، إن: شرطية والّذي بعدها مجزوم، زاد في رواية يونس في (التفسير) : «حيّا» ، ولابن إسحاق: «إن أدركت ذلك اليوم» يعني الإخراج. قوله: «مؤزّرا» - بهمزة- أي قويا، مأخوذ من الأزر، وهو القوة، أنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر، وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون من الإزار، أشار بذلك إلى تشميره في نصرته. قال الأخطل: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم قوله: «ثم لم ينشب» - بفتح الشين المعجمة- أي لم يلبث، وأصل النشوب التعلق،