قال الحافظ ابن حجر: فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح، وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال: الواو في قوله: «وفتر الوحي» ليست للترتيب، فلعلّ الراويّ لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور، فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى عمله، لا إلى ما هو الواقع، وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فقد روى البخاري في كتاب (التعبير) من طريق معمر ما يدل على ذلك. [فائدة] : وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي، أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق، وحكي البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين، وهي ما بين نزول اقْرَأْ ويا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، عدم مجيء جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط، (فتح الباري) : ١/ ٣٣- ٣٦، كتاب بدء الوحي حديث رقم (٣) . [ (١) ] قوله: «قال ابن شهاب: «وأخبرني أبو سلمة» ، إنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال: أخبرني عروة بكذا، وأخبرني أبو سلمة بكذا. وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف، وأخطأ من زعم أن هذا معلق، وإن كانت صورته التعليق، ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة، فإنّها دالة على تقدم شيء عطفته، وقد تقدم قوله: عن ابن شهاب عن عروة فساق الحديث إلى آخره ثم قال: ابن شهاب- أي بالسند المذكور- وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر وهو كذا. ودلّ قوله: «عن فترة الوحي» وقوله: «الملك الّذي جاءني بحراء» على تأخر نزول سورة المدثر عن اقْرَأْ، ولما دخلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في (التفسير) عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين الجملتين أشكل الأمر، فجزم من جزم بأن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أول ما نزل، ورواية الزهري هذه صحيحة ترفع الإشكال، وسياق بسط القول في ذلك في كتاب التفسير من (صحيح البخاري) في تفسير سورة اقْرَأْ، فليراجع هناك. (المرجع السابق) .