حديث ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «الشفق الحمرة» ، رواه الدار الدّارقطنيّ، وصححه ابن خزيمة، وغيره، ووقفه على ابن عمر، كذا في (بلوغ المرام) . قال محمد بن إسماعيل الأمير في (سبل السلام) : البحث لغويّ، والمرجع فيه إلى أهل اللغة، وابن عمر من أهل اللغة، ومخّ العرب، فكلامه حجّه، وإن كان موقوفا عليه. ويدل عليه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث عبد اللَّه بن عمرو عند مسلم: وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، قال الجزري في (النهاية) : أي انتشاره وثوران حمرته، من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع ... وفي (البحر الرائق) من كتب الحنفية، قال الشمني: هو ثوران حمرته ... ووقع في رواية أبي داود: وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق، قال الخطابي: هو بقية حمرة الشفق في الأفق، وسمى فورا بفورانه وسطوعه، وروى أيضا ثور الشفق، وهو ثوران حمرته ... وقال الجزري في (النهاية) : هو بقية حمرة الشمس في الأفق الغربي، سمي فورا لسطوعه وحمرته، ويروى بالثاء، وقد تقدم. قوله: «ثم صلّى الفجر حين برق الفجر» ، أي طلع، «وصلّى المرة الثانية» أي في اليوم الثاني، «حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس» ، أي فرغ من الظهر حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول، حينئذ قال الشافعيّ رضي اللَّه تعالى عنه: وبه يندفع اشتراكهما في وقت واحد، على ما زعمه جماعة، ويدل له خبر مسلم: وقت الظهر ما لم يحضر العصر. قوله: «ثم صلّى المغرب لوقته الأول» ، استدل به من قال: إن لصلاة المغرب وقتا واحدا، وهو عقب غروب الشمس، بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن، ويقيم، فإن أخّر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء، وهو قول الشافعية. قال الإمام النووي: وذهب المحققون من أصحابنا، إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها، ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت، وهذا هو الصحيح الصواب، الّذي لا يجوز غيره. والجواب عن حديث جبريل عليه السلام، حين صلّى المغرب في اليومين حين غربت الشمس، من ثلاثة أوجه: الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار، ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جار في الصلوات سوى الظهر. والثاني: أنه متقدم في أول الأمر بمكة، وأحاديث امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها. والثالث: أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها. قوله: «فقال: يا محمد هذا» ، أي ما ذكر من الأوقات الخمسة، «وقت الأنبياء من قبلك» ، قال ابن العربيّ في (عارضه الأحوذي) : ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبلهم من الأنبياء، ليس كذلك، وإنما معناه: أن هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع، المحدد بطرفين، الأول والآخر، وقوله: وقت الأنبياء من قبلك، يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي صلاتهم كانت واسعة الوقت، وذات طرفين، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات