قال الحافظ ابن حجر: وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلفه، وعلى الثاني كان يصلي بين الركنين اليمانيين،. وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ، وحمل ابن عبد البر هذا على القول الثاني، ويؤيد حمله على ظاهره إمامة جبريل، ففي بعض طرقه أن ذلك عند باب البيت. قوله: «أنكروا ذلك» ، يعني اليهود، فنزلت: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ وقد صرح البخاري بذلك في روايته عن طريق إسرائيل. قوله: «قال زهير» ، يعني ابن معاوية بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته، ووهم قال إنه معلق، وقد ساقه البخاري في (التفسير) ، مع جملة الحديث، عن أبي نعيم، عن زهير سياقا واحدا. قوله: «أنه مات على القبلة» ، أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحوّل «لأجاب، وقتلوا» ، ذكر القتل لم أره إلا في رواية زهير، وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط، وكذلك روى أبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، صحيحا عن ابن عبّاس، وكذلك والذين ماتوا بعد فرض الصلاة، وقبل تحويل القبلة من المسلمين عشر أنفس: فبمكة من قريش: [١] عبد اللَّه بن شهاب. [٢] المطلب ابن أزهر الزهريان. [٣] السكران بن عمرو العامري. وبأرض الحبشة منهم: [١] حطاب- بالمهملة- ابن الحارث الجمحيّ. [٢] عمرو بن أمية الأسدي. [٣] عبد اللَّه بن الحارث السهمي. [٤] عروة بن عبد العزى. [٥] عدي بن نضلة العدويان. ومن الأنصار بالمدينة: [١] البراء بن معرور (بمهملات) . [٢] أسعد بن زرارة، فهؤلاء العشرة متفق عليهم. ومات في المدة أيضا: إياس بن معاذ الأشهلي، لكنه مختلف في إسلامه. قال الحافظ ابن حجر: ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة، لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة، فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد، ولم يضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتأريخ إذ ذاك. ثم وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه، وهو سويد بن الصامت، فقد ذكر ابن إسحاق: أنه لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قبل أن تلقاه الأنصار في العقبة، فعرض عليهم الإسلام فقال: إن هذا القول حسن. وانصرف إلى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث- بضم الموحدة وإهمال العين وآخره مثلثة- وكانت قبل الهجرة، قال: فكان قومه يقولون. لقد قتل وهو مسلم، فيحتمل أن يكون هو المراد. وذكر لي بعض الفضلاء: أنه يجوز أن يراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمار، قلت: يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما بعد الإسراء. من فوائد هذا الحديث: [١] الرد على المرجئة في إنكارهم تسمية أعمال الدين إيمانا. [٢] تغيير بعض الأحكام جائز إذا ظهرت المصلحة في ذلك. [٣] بيان شرف المصطفى وكرامته على ربه لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال. [٤] بيان ما كان في الصحابة من الحرص على دينهم والشفقة على إخوانهم، وقد وقع لهم نظير هذه المسألة لما نزل تحريم الخمر، كما صح من حديث البراء أيضا فنزل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [٩٣/ المائدة] ، وقوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [٣٠/ الكهف] ، ولملاحظة هذا المعنى، عقّب البخاري على هذا الباب بقوله: «باب حسن إسلام المرء» فذكر الدليل على أن المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها، وهو الحديث رقم (٤١) من الباب (٣١) في كتاب (الإيمان) . (فتح الباري) ١/ ١٢٨- ١٣٣ حديث رقم (٤٠) .