وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمه من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي، وقيل: معناه أن تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان، فيكثر تردادها في أيدي المشترين، حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد، فإنه متصور في غيرهن، فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة، أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد. وأما بعلها، فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد، فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه. قال أهل اللغة: بعل الشيء ربه ومالكه. وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما والمفسرون في قوله سبحانه وتعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا: أي ربّا، وقيل: المراد بالبعل في الحديث، الزوج، ومعناه نحو ما تقدم، أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري، وهذا أيضا معنى صحيح، إلا أن الأول أظهر، لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى كان أولى، واللَّه أعلم. واعلم أن هذا الحديث ليس فيه دليل على إباحة بيع أمهات الأولاد، ولا منع بيعهن، وقد استدل إمامان من كبار العلماء به على ذلك، فاستدل أحدهما على الإباحة، والأخر على المنع، وذلك عجب منهما، وقد أنكر عليهما، فإنه ليس كل ما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما، فإن تطاول الرعاء في البنيان، وفشو المال، وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علامات، والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك، بل تكون بالخير والشّر، والمباح والمحرم، والواجب وغيره، واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» ، أما العالة فهم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر، وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر، والرعاء بكسر الراء وبالمد، ويقال فيهم الرعاة بضمّ الراء وزيادة الهاء بلا مدّ، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والقافة، تبسط لهم الدنيا، حتى يتباهون في البنيان. واللَّه أعلم. قوله: «فلبث مليا» هكذا ضبطناه، لبث آخره ثاء مثلثة من غير تاء، وفي كثير من الأصول المحققة «لبثت» بزيادة تاء المتكلم، وكلاهما صحيح، وأما «مليا» بتشديد الياء، فمعناه وقتا طويلا، وفي رواية أبي داود والترمذي، أنه قال ذلك بعد ثلاث، وفي شرح السنة للبغوي بعد ثالثة، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال، وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة بعد هذا بم أدبر الرجل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ردّوا عليّ الرجل، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا جبريل» فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي اللَّه عنه لم يحضر قول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس، فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر رضي اللَّه عنه بعد ثلاث، إذا لم يكن حاضرا وقت إخبار الباقين، واللَّه أعلم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ، فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها