للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنّبوّة.

وخرج البخاري في كتاب الأحكام من حديث الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع [من] [ (١) ] أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصى أميري فقد عصاني [ (٢) ] . وخرجه مسلم [ (٣) ] مثله


[ (١) ] زيادة في السياق.
[ (٢) ]
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «من أطاعني فقد أطاع اللَّه» ،
هذه الجملة منتزعه من قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، أي أني لا آمر إلا بما أمر اللَّه به، فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره، ويحتمل أن يكون المعنى لأن اللَّه أمر بطاعتي فمن أطاعني فقد أطاع أمر اللَّه له بطاعتي، وفي المعصية كذلك. والطاعة هي الإتيان بالمأمور به، والانتهاء عن المنهي عنه، والعصيان بخلافه.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ومن أطاع أميري فقد أطاعني» ، في رواية (همام) ، و (الأعرج) وغيرهما عند مسلم: «ومن أطاع الأمير» ،
ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع، لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين، وهو
قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم: «فقد أطاعني» ،
أي عمل بما شرعته، وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر، أنه المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث.
وأما الحكم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ووقع
في رواية همام أيضا: «ومن يطع الأمير فقد أطاعني» بصيغة المضارعة، وكذا «ومن يعص الأمير فقد عصاني»
وهو أدخل في إرادة تعميم من خوطب ومن جاء بعد ذلك.
قال ابن التين: قيل: كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يؤمرهم عليهم، والانقياد لهم، إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولا هم البلاد، فلا يخرجوا عليهم، لئلا تفترق الكلمة.
قال الحافظ في الفتح: هي عبارة الشافعيّ في (الأم) ، ذكره في سبب نزولها، وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية، فكيف قنع بنسبة هذا الكلام إلى ابن التين، معبرا عنه بصيغة «قيل» ، وابن التين إنما أخذه من كلام الخطابي؟
ووقع عند أحمد، وأبي يعلي، والطبراني، من حديث ابن عمر، قال: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في نفر من أصحابه فقال: ألستم تعلمون أن من أطاعني فقد أطاع اللَّه، وأن من طاعة اللَّه طاعتي؟ قالوا: بلى نشهد، قال: فإن من طاعتي أن تطيعوا أمراءكم» . وفي لفظ: «أئمتكم» .
وفي الحديث وجوب طاعة ولاه الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم، المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد، واللَّه أعلم. (فتح الباري) :
١٣/ ١٣٩- ١٤١، كتاب الأحكام، باب (١) أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث رقم (٧١٣٧) .
[ (٣) ] (مسلم بشرح النووي) : ١٢/ ٤٦٤، كتاب الإمارة، باب (٨) وجوب طاعة الأمراء من غير