قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما بعثني اللَّه» ، العائد محذوف، والتقدير بعثني اللَّه به إليكم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أتى قوما» التنكير فيه للشيوع. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «بعيني» ، بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية بفتح النون والتشديد، قيل: ذكر العينين إرشادا إلى أنه تحقّق عنده ما أخبر عنه، تحقّق من رأى شيئا بعينه، لا يعتريه وهم، ولا يخالطه شك. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وإني أنا النذير العريان» ، قال ابن بطال: النذير العريان، رجل من خثعم، حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة، فقطع يده ويد امرأته، فانصرف إلى قومه فحذرهم، فضرب به المثل في تحقيق الخبر. قال الحافظ في الفتح: وسبق إلى ذلك يعقوب بن السكيت وغيره، وسمّى الّذي حمل عليه (عوف ابن عامر اليشكري) ، وأن المرأة كانت من بني كنانة، وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث، لأنه ليس فيها أنه كان عريانا. وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب، لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود- وكان جار المنذر- خشيت على قومها، فركبت جملا ولحقت بهم وقالت: أنا النذير العريان. ويقال: أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة وقد سقط لحمه. وذكر أبو بشر الآمدي: أن زنبرا- بزاي ونون ساكنة ثم موحدة- ابن عمرو الخثعميّ، كان ناكحا في آل زبيد، فأرادوا أن يغزوا قومه، وخشوا أن ينذر بهم، فحرسه أربعة، فصادف منهم غرة، فقذف ثيابه وعدا، وكان من أشدّ الناس عدوا فأنذر قومه. وقال غيره: الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه، فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني، فرأوه عريانا فتحققوا صدقه، لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقة لهذه القرائن، فضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك، لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقة، تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه. ويؤيد ما أخرجه الرامهرمزيّ في الأمثال، وعند أحمد أيضا بسند جيد، من حديث عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: «خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم فنادى ثلاث مرات: أيها الناس، مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم، فبعثوا رجلا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو، فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات» . وأحسن ما فسّر به الحديث من الحديث. وأخرجه أبو الشيخ بنحوه في كتاب (الأمثال في الحديث النبوي) ، وقال: رجاله رجال الصحيح. ص ٢٩٧، حديث رقم (٢٥٣) . وهذا كله يدل على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فالنجاء النجاء» ، بالمد فيهما، وبمد الأولى وقصر الثانية، وبالقصر فيهما تخفيفا، وهو منصوب على الإغراء، أي اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب، إشارة إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك