فعند أحمد من حديث معاوية: «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نهي عن الأغلوطات» ، قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: «إن اللَّه إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليظ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما» . وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل» ، وقال ابن العربيّ: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» ، قال: «وإنه لمكروه إن لم يكن حراما، إلا للعلماء، فإنّهم فرعوا ومهدوا، فنفع اللَّه من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم. وينبغي أن يكون محل الكراهية للعالم، إذا شغله ذلك عما هو أعم منه، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر، ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله، واللَّه المستعان. * واستدل به على أن الاشتغال بالأهم المتاح إليه عاجلا عما لا يحتاج إليه في الحال، فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع. فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن اللَّه ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك، والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العلميات، يتشاغل بتصديقه واعتقاد أحقيته، وإن كان من العمليات، بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا، فإن وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع، فأما إن كانت الهمة مصروفة عن سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع، فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدال. (المرجع السابق) : ٣٢٥- ٣٢٨. [ (١) ] في (خ) : «النجاء» مرتين خلافا لرواية البخاري. [ (٢) ] في (خ) : «واتبع» ، وما أثبتناه من رواية البخاري. [ (٣) ] (فتح الباري) : ١٣/ ٣١١، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب (٢) الاقتداء بسنن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقول اللَّه تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، حديث رقم (٧٢٨٣) .