للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] وادعى بعضهم أن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا، فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي، أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي، فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار.
وزعم بعضهم أن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، نسخ قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ. والصحيح أن لا نسخ، بل المراد بحق تقاته، امتثال أمره واجتناب نهية مع القدرة لا مع العجز.
واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه، فشمل الواجب والمندوب.
وأجيب بأن قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ، يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر.
وقال الفاكهاني: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم، وتارة لا معه وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما.
واستدل به على أن المباح ليس مأمورا به، لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب، وكذا عكسه. وأجيب بأن من قال: المباح مأمور به، لم يرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن.
واستدل به على أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه، وقيل: يقتضيه، وقيل: يتوقف فيما زاد على مرة، وحديث الباب قد يتمسك به لذلك، لما في سببه أن السائل قال في الحج: أكل عام؟ فلو كان مطلقة يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب. وقد يقال: إنما سأل استظهارا أو احتياطا.
وقال المازري: يحتمل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحج في اللغة قصد تكرار، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر. وقد تمسك به من قال بإيجاب العمرة، لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحج لا يجب إلا مرة، فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة.
* واستدل به على أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يجتهد في الأحكام
لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو قلت نعم لوجبت» ،
وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحى إليه ذلك في الحال.
* واستدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة، حتى يثبت المنع من قبل الشارع.
* واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك.
قال البغوي في (شرح السنة) : المسائل على وجهين:
أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز، بل مأمور به لقوله تعالى:
فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما.
ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث، واللَّه تعالى أعلم،