قال الإمام النووي: هذا من جوامع الكلم، وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء، وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار، إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها. وقال غيره: فيه أن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعبّر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره، وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم، والمجبوب عن الزنا، لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود، إذ لا يتصور منهما العود عادة، فلا معنى للعزم على عدمه. * واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه، وبذلك استدل المزني على أن [ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه] ، ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد. واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات، لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد. فإن قيل: أن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا، إذ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين، كذا قيل، والّذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة، لا يدل على المدعي مع الاعتناء به، بل هو من جهة الكف، إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا، فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف، بل كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي. وعبّر الطوفي في هذا الموضوع بأن ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود، وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم النهي عنه قد تتخلف، واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة، وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة. وقال ابن فرج في (شرح الأربعين) : قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فاجتنوه» ، هو على إطلاقه، حتى يوجد ما يبيحه، كأكل الميتة عند الضرورة، وشرب الخمر عند الإكراه، والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان، كما نطق به القرآن. والتحقيق أن المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال، وأجاب الماوردي بأن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل، وعمل الطاعة فعل وهو يشق، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك، والترك لا يعجز المعذور عنه، وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه.