للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السابق يوم القيامة لأنه أول مكتوب في النبوة، ففي هذا الخبر الفضيلة العظيمة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما أوجب اللَّه تعالى له النبوة قبل تمام خلق آدم الّذي هو أبو البشر، ويحتمل أن يكون هذا الإيجاب هو ما أعلم اللَّه ملائكته ما سبق في علمه وقضائه من بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم في آخر الزمان، فمن حاز هذه الفضيلة حق له الصبر على مواصلة الدعوة واحتمال الأذية ممن ردها، وإعظام من قبلها، واستفراغ الوسع في احتمال كل عارض وشدة وبلوى تعرض دون إقامتها، إذ الفضيلة سابقة على فضائل من تقدمه من الأنبياء في العهد والخلق الأول.

وقال بعض العارفين باللَّه: لما خلق اللَّه الأرواح المدبرة للأجسام عند حركة الفلك أول ما خلق الزمان بحركته، كان أول ما خلق روح محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم صدرت الأرواح الفلكية عن الحركات الفلكية، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه اللَّه بنبوته، وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين، فاقتضى

قوله: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين»

أن يكون وجوده حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان في حقه عليه السلام إلى وجود جسمه وارتباط الروح به، فظهر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بكليته جسما وروحا، فكان له الحكم أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام، ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شرع وإن كان المشرع واحدا، وهو صاحب الشرع، فإنه قال: «كنت نبيا» ..،


[ () ] على كتابنا، وهذا بيان زيادة شرف لنا، أي فصار كتابنا ناسخا لكتابهم، وشريعتنا ناسخة لشريعتهم، وللناسخ فضل على المنسوخ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم.
أو المراد بيان أن هذا يرجع إلى مجرد تقدمهم علينا في الوجود، وتأخرنا عنه فيه، ولا شرف لهم فيه، أو هو شرف لنا أيضا من حيث قلة انتظارنا أمواتا في البرزخ، ومن حيث حيازة المتأخر علوم المتقدم دون العكس، فقولهم الفضل للتقدم ليس بكلي. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وهذا اليوم» ، الظاهر أنه أوجب عليهم يوما بعينه والعبادة فيه، فاختاروا لأنفسهم أن يبدل اللَّه لهم يوم السبت، فأجيبوا إلى ذلك، وليس بمستبعد من قوم قالوا لنبيهم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «فهدانا اللَّه» ،
بالثبات عليه حين شرع لنا العبادة فيه،
«اليهود غدا»
أي يعبدون اللَّه في يوم الجمعة. فأخذ المصنف قوله: «كتب اللَّه» ، الوجوب، والظاهر أن الحكم بالنظر إلى واحد، فحيث إن ذلك الحكم هو الوجوب بالنسبة إلى قوم تعين أنه الوجوب بالنظر إلى الآخرين، واللَّه تعالى أعلم (المرجع السابق) .