أي الآخرون زمانا، الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشروا، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة. وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل المراد به السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: سَمِعْنا وَعَصَيْنا، والأول أقوى. «بيد» بموحدة ثم تحتية ساكنه مثل «غير» وزنا، ومعنى، وإعرابا، وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة. وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعيّ رحمه اللَّه، عن الربيع، عنه، أن معنى «بيد» من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي، عن المزني عن الشافعيّ، وقد استبعده القاضي عياض، ولا بعد فيه. والمعنى إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم. ويشهد لهم ما في (فوائد المقري) بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أورثوا الكتاب من قبلنا. وقال الراويّ: هي بمعنى «على» أو «مع» . قال القرطبي: إن كانت بمعنى «غير» فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى «مع» ، فنصب على الظرف، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهي من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. «أنهم أوتوا الكتاب قبلنا» اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل: «وأوتيناه» المراد الكتاب، مرادا به القرآن، «وهذا اليوم الّذي كتب اللَّه عليهم» ، أي فرض عليهم تعظيمه، «فاختلفوا فيه» ، قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض اللَّه عليه وهو مؤمن، وإنما يدل واللَّه تعالى أعلم على أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل على اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة. وقال النووي: يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا، هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا. وقد روى ابن أبي حاتم عن السدّي، في قوله تعالى: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قال: إن اللَّه فرض على اليهود يوم الجمعة فأبوا وقالوا: يا موسى إن اللَّه لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا، فجعله عليهم. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «اليهود غدا والنصارى بعد غد» ، قال القرطبي «غدا» منصوب على الظروف، وهو متعلق بمحذوف تقديره: اليهود يعظمون غدا وكذا بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وقدر ابن مالك تقييد اليهود غدا. (حاشية الحافظ السيوطي على سنن النسائي) : ٣/ ٩٥- ٩٦، كتاب الجمعة، باب إيجاب الجمعة، حديث رقم (١٣٦٦) . وقال الإمام السندي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون» ، أي الآخرون زمانا في الدنيا، الأولون منزلة وكرامة يوم القيامة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة إياهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة. وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: سَمِعْنا وَعَصَيْنا. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أوتوا الكتاب» ، اللام للجنس، فيحمل بالنسبة إليهم على كتابهم، وبالنسبة إلينا