للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين يدَيْ ذلك، لا بد من إشارة عابرة إلى أن بين التفسير في الشريعة وبين التفسير في القانون أشواطًا بعيدة من التفاوت، قد تجعل سبيل المقارنة - لو سلكت - نوعًا من التجوز:

أ - فمن الناحية الزمنية: كان لمناهج التفسير في الشريعة السبق بما يزيد على ثلاثة عشر قرنًا من الزمان حيث تأصَّلت هذه المناهج وقامت راسخة البنيان، علمًا قائمًا بذاته، فيه كل مقومات الثبات والاستقرار، والقدرة على ضبط خطوات المفسِّر، التي تعصمه عن أي زلل أو انحراف.

ب - ومن الناحية الموضوعية: نرى أن مدارس التفسير التي وجدت في أوربا على اختلاف اتجاهاتها، وعلى اعترافنا، بأن أفضلها المدرسة العلمية التي سلكت سبيل الجادة بين المدرستين التقليدية والتاريخية؛ كل أولئك لا تصحبه ضوابط تحدد ما يراد عند التفسير، أو معايير تزن ما يتجه إليه القاضي، أو يقصده المشرع عندما يريد أن يفسر النص.

وهذه الموسوعة الفرنسية، عند حديثها عن الحاجة إلى التفسير والبيان عند الإبهام في النصوص، تعرض لنا كيف أن القانون المدني الفرنسي، قد ظهر، وهو خلوٌ من أية ضوابط أو قواعد في هذا المضمار، الأمر الذي جعل القاضي يفسر القانون عند الاقتضاء تبعًا لمواهبه المسلكية، وحسب ذمته (١) وإن كان ذلك تحت مراقبة محكمة التمييز.

ولم تطمئن الموسوعة الفرنسية إلى هذا الأمر، بل أعلنت مخاوفها من التفسير الذي يقوم به القضاة، دون الاستناد إلى قواعد في التفسير، وضوابط يعتمد عليها في البيان (٢).


(١) وهو يستوحي ذلك من: روح القانون، ومن الوثائق التي سبقت وضعه، ومن مصادره التي استقى منها مستعينًا بعد ذلك كله بالمنطق والذوق السليم.
(٢) وذلك قولها: (ومن هنا يفهم كم هي خطرة هذه السلطة من التفسير، ولذلك فإن الفقهاء الرومان كانوا يقولون: إن أحسن القوانين هو القانون الذي يترك أقل ما يمكن من الحرية لأهواء القضاة) انظر:
La grande Encyclopédie des sciences des Lettres et des arts aut interpretation. ١.XX، P ٩٠٣ - ٩٠٤
وراجع: "المدخل إلى علم أصول الفقه" (ص ٤ - ٦، ٣٧٧ - ٣٧٩) لأستاذنا الدكتور معروف الدواليبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>