ولقد قرر العلماء أن الأصل في الأمر الوجوب، وأن الأصل في النهي التحريم، والعدول عن ذلك لا يكون إلا بقرينة.
وقد استندوا في ذلك إلى أصل المعنى اللغوي، وإلى استقراء ما جاء عن النبي ﷺ وأصحابه، ومن أخذ عنهم من التابعين.
ومن الواضح أن علماءنا خصوا هذه القواعد، بمزيد من العناية؛ لأن أكثر الأحكام التكليفية - كما سبق - قائمة على (إفعل، لا تفعل) فقد حدّدوا معنى الأمر، ومعنى النهي، ومدى العلاقة بين المعنى اللغوي، وبين المعنى الشرعي، وفضّلوا القول في مقتضى الأمر من حيث الوجوب أو غيره، ومقتضاه من ناحية الوحدة والتكرار، ومقتضاه من الناحية الزمنية؛ من حيث الفور، أو التراخي، إلى غير ذلك من المباحث العامرة بالمعرفة والخير.
وقد فعلوا مثل ذلك في النهي، وإلى جانب هذا، كشفوا عن أثر النهي في المنهي عنه، سواء أكان ذلك في العبادات أم كان في العقود والمعاملات؛ لإعطاء الحكم فيما نهي عنه، من حيث الصحة، أو الفساد أو البطلان.
وما أحسب أن في دنيا التشريع ما يداني هذا الاستقصاء، ولا تلك الدقة التي نرى آثارها في كتب الأصول والفروع، على تشعب في المذاهب وتنوع في الاجتهادات، البعيدة عن الهوى والانحراف، المنبعثة من الحرص على الحقيقة، كاملة غير منقوصة. والعضِّ عليها بالنواجذ طلبًا لمرضاة الله تعالى، وتحقيقًا لمصلحة الفرد والمجتمع والأمة.
غير أن جولد تسهير، يحاول تنصيب نفسه للحُكم، حتى في قضية لها أكبر المساس بلغة غير لغته، وبيان جاء بغير لسانه.
بل يريد أن ينقل القضية من ميدان الضوابط التي قامت على مدلولات اللغة وقواعد الشريعة، إلى ميدان الأخلاق والسلوك، ليتَّهم العلماء بالانحراف، حين يتحولون - على حد زعمه - في الأمر، عن الوجوب إلى غيره، كما يتحولون في النهي، عن التحريم إلى غيره، وراء الهوى.