للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو طائفة منهم، فلا يكون الخروج من عهدة امتثال الأمر، في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا﴾ إلا بقتال المشركين كافتهم، دون أي استثناء.

وكذلك قوله جلّ وعلا في حدّ القَذَفة: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)[النور: ٤].

وقوله تعالى في عقوبة الزنى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢].

فكل من كلمة ﴿ثَمَانِينَ﴾ في الآية الأولى، وكلمة ﴿مِائَةَ﴾ في الآية الثانية عدد، والعدد لا يحتمل الزيادة ولا النقص (١)، فهو من المفسَّر؛ لذا كانت الدلالة في الآية الأولى على وجوب جلد القاذف ثمانين جلدة، وكانت الدلالة في الآية الثانية على وجوب جلد الزاني والزانية مائة جلدة: دلالة واضحة قطعية، لا تحتمل تأويلًا ولا تخصيصًا. ولكن هذه الأحكام كلها، كانت تحتمل النسخ في عهد الرسالة.

وهكذا يكون من المفسَّر: العام إذا لحقه ما يمنع احتماله للتخصيص، مثل قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)[الحجر: ص ٧٣]. فإن الملائكة جمعٌ عامٌّ محتمل للتخصيص؛ بأن يرد ما يدل على أن المراد بالملائكة: الأكثرون منهم مثلًا، فانسدّ باب التخصيص بذكر الكل في قوله: ﴿كُلُّهُمْ﴾ وذكر الكل احتمل تأويل التفرُّق بأن يكونوا قد سجدوا متفرقين، فقُطع ذلك بقوله تعالى: ﴿أَجْمَعُونَ﴾ فصار مفسَّرًا (٢).

ومن المفسَّر أيضًا: الصيغة التي ترد مجملة، ثم يلحقها بيان تفسيري قطعي من الشارع يبينها ويزيل إجمالها، حتى تصبح مفسَّرة لا تحتمل التأويل.

وذلك كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)[المعارج].


(١) وإن كان عدد "السبعين" تستعمله العرب للتكثير أحيانًا.
(٢) راجع "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (١/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>