للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد سئل أحمد بن يحين ما الهلع؟ فقال: قد فسّره الله ولا يكون تفسيرٌ أبينَ من تفسيره.

وكقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣، ٨٣، ١١٠، النساء: ٧٧] ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣].

فألفاظ الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، ألفاظ مجملة لها معان لغوية، واستعملها الشارع في معان خاصة، فأصبح لها إلى جانب المعاني اللغوية، معانٍ شرعية، وجاءت الآيات الكريمة على ذكرها جملة غير مفصَّلة فبيّنها رسول الله ، وفصَّل معانيَها بأقواله وأفعاله؛ فصلّى وقال: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" (١) وحجّ وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" (٢) إلخ. وكتب في الزكاة ما كتب وبيّن حدود الصيام. فأصبحت هذه المجملات من المفسَّر.

وهكذا كل (مجمل) في الكتاب، يصبح (مفسَّرًا) بعد أن يبيّنه القرآن أو السنّة القولية، أو الفعلية بيانًا قاطعًا، ويكون هذا البيان جزءًا مكملًا وذلك ما يسمى اليوم بالتفسير التشريعي؛ وهو الذي يصدر عن المشرع نفسه تفسيرًا لقانون سابق (٣).


(١) رواه البخاري (٦٢٨) و (٦٣١) و (٦٠٠٨) و (٧٢٤٦)، ومسلم (٦٧٤)، وأبو داود (٥٨٩)، والترمذي (٢٠٥)، والنسائي (٢/ ٨)، وابن ماجه، (٩٧٩)، والدارقطني (١٠٦٨).
(٢) رواه أحمد (١٤٦٧٣) ومسلم والنسائي من حديث جابر بن عبد الله في رمي جمرة العقبة: رأيت النبي يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" وفي رواية: "لتأخذوا مناسككم" وقال الإمام النووي عند شرح الحديث: (فهذه اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم … وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات، هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم. فخذوها عني واقبلوها، واحفظوها واعملوا بها، وعلَّموها الناس) ثم قال الإمام النووي: (وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله في الصلاة: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي") "شرح النووي على مسلم" (٩/ ٤٥).
وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٥/ ١٣٠) "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٥/ ٧٠) هذا: وفي "فتح الباري" للحافظ ابن حجر مع "الجامع الصحيح" قال : "خذوا عني مناسككم" (٣/ ٢٦٤).
(٣) راجع ما سبق (ص ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>